ورقة موقف حزب السلام حول استمرار الجرائم ضد الإنسانية بحق أهالي السويداء

منذ اجتياحها على يد ميليشيات السلطة ومجموعات من العشائر في تموز/ يوليو 2025، تشهد محافظة السويداء تصاعداً في الانتهاكات الجسيمة، ولا سيما في الريفين الغربي والشمالي، حيث اتخذت الانتهاكات شكلاً ممنهجاً بطابع إبادي، يرتقي إلى مصاف جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية وفق القانون الدولي الإنساني، ونظام روما الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية.

وما تزال المحافظة خاضعة للحصار والاعتداءات المتكررة حتى اليوم، بينما تنكشف وقائع السياسة الانتقامية التي تستهدف الهوية الدينية والاجتماعية لأبناء السويداء، في محاولة لإخضاع المحافظة وإسكات صوتها، الذي طالب بالحرية، ورفض الخضوع لسلطة الإرهاب والتكفير.

 

أولاً: التوصيف القانوني للانتهاكات

رصدت تقارير حقوقية عمليات قتل خارج نطاق القانون، وإعدامات ميدانية، وانتهاكات جنسية، وخطف، واحتجاز تعسفي، وتعذيب وإخفاء قسري بحق مدنيين، بينهم نساء وأطفال، إضافة إلى تهجير قسري شمل سكان ما يزيد على خمس وثلاثين قرية وبلدة في الريفين الغربي والشمالي، على خلفية طائفية وإثنية استهدفت الدروز والمسيحيين، عدا عن استمرار الاعتداء على منازلهم وممتلكاتهم تحت ذريعة الترميم، رغم أن أصحابها غائبين عنها قسرياً.

كما قامت ميليشيات السلطة والجماعات المرتبطة بها بتدمير دور العبادة، من مجالس ومقامات دينية درزية، وست كنائس مسيحية، ونفذت اعتداءات ممنهجة على الرموز الدينية والاجتماعية، شملت إهانة الرجال الدروز بقص شواربهم، والاعتداء على المقابر المسيحية، وخطف النساء وبينهن قاصرات ومتقدمات بالسن.

إلى جانب الجرائم ضد الأفراد، سعت ميليشيات السلطة إلى تدمير مقومات الحياة الاقتصادية والاجتماعية، من خلال حرق وسرقة المزروعات ونهب البيوت، وتفكيك المعامل وتدمير آبار المياه ومطاحن الحبوب، وفرض حصار خانق على المدنيين تحوّل إلى أداة للابتزاز الاقتصادي والسياسي، وأداة لإدارة شبكات الفساد، والإثراء غير المشروع على حساب معاناة الأهالي.

جميع هذه الأفعال تمثل انتهاكات خطيرة للقانون الدولي الإنساني، ولا سيما المواد (27-33) من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، كما تندرج تحت تعريف جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية الوارد في المواد (7) و(8) من نظام روما الأساسي. وقد ترقى إلى جريمة  الإبادة الجماعية، حسب اتفاقية “منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها” لعام 1948.

 

هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم وتترتب عليها مسؤولية جنائية فردية لمن أصدر الأوامر أو نفذها أو تغاضى عنها. وتُعدّ هذه الجرائم مشمولة بالاختصاص القضائي العالمي، ويحق للدول الأطراف في نظام روما الأساسي ملاحقة مرتكبيها أمام محاكمها الوطنية، عملاً بمبدأ الولاية القضائية العالمية للجرائم الجسيمة.

 

ثانياً: المسؤولية السياسية والقانونية

يحمّل حزب السلام (قيد التأسيس) الجماعات المستولية على السلطة في دمشق، ومن يتعاونون معها ويعملون تحت إمرتها، المسؤولية الكاملة عن هذه الجرائم، سواء من حيث القيام المباشر بها، أو الامتناع المتعمد عن منعها. كما تقع على عاتق من استولوا على السلطة، ويدعون أنهم يقومون بمهام الدولة، المسؤولية السياسية والأخلاقية والقانونية عن تداعيات هذه الجرائم، بما في ذلك التدخلات العسكرية الإسرائيلية والخارجية عموماً.

 

ثالثاً: الخذلان الوطني

يرى الحزب أن ما تعرضت له السويداء من مجازر وتهجير، لم يكن نتاج صراعات أهلية أو أخطاء فردية أو جماعات منفلتة، بل نتيجة مباشرة لاستيلاء الجماعات التكفيرية المتشددة على السلطة، ونيتها المبيتة بارتكاب المجازر. إذ سمحت لميليشياتها وقوات العشائر المتحالفة معها، بقطع آلاف الكيلومترات للوصول إلى السويداء والاشتراك في قتل أهلها وتهجيرهم، وهو ما سبق وفعلته هذه الميليشيات في هجومها أواخر نيسان 2025 على البلدات الدرزية في ريف دمشق ومنها جرمانا وصحنايا، ما يثبت النية المسبقة لارتكابها جرائمها الطائفية.

في ظل تخاذل النخب السياسية والثقافية والحقوقية السورية، التي التزمت الصمت أو المراوغة تجاه حملات التحريض والشيطنة بحق الدروز، ولم تتخذ أي موقف في الأشهر التي سبقت المجازر، والتي شهدت تسميم الفضاء العام بالخطاب الطائفي التحريضي، وانطلاق مظاهرات جابت شوارع مدن سورية، تجاهر علناً بالنوايا الإبادية تحت شعار “بدنا نبيد الدرزية”.

كما شهدت الجامعات انتهاكات متكررة أدت إلى توقف الطلاب والطالبات الدروز عن مواصلة تعليمهم، يضاف إليها حملات إعلامية هدفت إلى شيطنة الدروز واتهامهم بالعمالة والانفصال، وتحميلهم مسؤولية فشل الميليشيات في إدارة السلطة بعد انهيار نظام الأسد.

هذا التخاذل يرقى إلى مستوى الشراكة في الجريمة، إذ عمّق الانقسام الاجتماعي، ومهّدَ الطريق أمام الأفعال الإبادية، وأفقد القوى السياسية والاجتماعية والنخب الفكرية والثقافية والحقوقية مصداقيتها، بعد التحاقها الذيلي بمواقع سلطة التكفير والإرهاب.

 

رابعاً: موقف الحزب من حراك السويداء ومطالب أهلها

انطلاقًا من مبادئ حزب السلام السياسية ومرجعيته القانونية والحقوقية، وإيمانه بالعدالة الاجتماعية والحرية، وقيم العلمانية والتنوير، وحق الشعوب في تقرير مصيرها، يعرب حزب السلام عن تضامنه الكامل مع أبناء محافظة السويداء، في وجه المجازر وأعمال الإبادة والانتهاكات التي طالتهم، ويؤكد دعمه لمطالبهم المشروعة في الكرامة والحرية والأمن، كما يشدد على أحقية هذه المطالب وعلى رأسها:

  • الانسحاب الفوري لميليشيات وزارة الدفاع والأمن العام والفصائل التابعة لها من القرى والبلدات التي تم احتلالها أو تدميرها، والتراجع إلى خارج الحدود الإدارية للمحافظة.
  • فك الحصار المفروض على المحافظة، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية والطبية والغذائية.
  • إطلاق سراح المغيبين قسرياً، والكشف عن مصير المفقودات والمفقودين.
  • عودة المهجرين كافة من الدروز والبدو والمسيحيين إلى بيوتهم، وتعويضهم عن الأضرار والخسائر المادية والمعنوية، والتوقف عن العبث بالمنازل والممتلكات بحجة ترميمها في غياب أصحابها.
  • إسناد التحقيق في الانتهاكات والجرائم التي وقعت إلى لجنة التحقيق الدولية المستقلة، وتحت إشراف الأمم المتحدة، وتوفير الحماية الدولية المطلوبة لها للقيام بعملها، بما يضمن محاسبة مرتكبي الانتهاكات.
  • السماح بدخول وسائل الإعلام وممارسة عملها وتقديم صورة عن حقيقة الانتهاكات التي وقعت ومرتكبيها.

ويؤكد الحزب أن خيارات أهل السويداء السياسية، بما في ذلك حقهم في تقرير مصيرهم، سواء عبر الاستمرار ضمن الإطار الوطني السوري على أسس جديدة من الحرية والعدالة والمواطنة المتساوية، أو تبني صيغ سياسية بديلة تضمن أمنهم وكرامتهم، هي خيارات مشروعة في ضوء الانتهاكات التي تعرضوا لها وما زالوا تحت تهديدها اليومي، والتواطؤ بالدعم أو الصمت من قبل قوى وأحزاب سياسية وتجمعات مدنية وحقوقية وإعلامية فاعلة، لذا فالمطالب المحقة بتقرير المصير هي تعبير صادق عن إرادة الحرية، وتلقى منا الدعم لإيماننا بعدم إمكانية بناء إطار وطني مع ميليشيات متطرفة.

ويرى الحزب أن موقف أهالي السويداء اليوم هو موقف تحرري يهدف إلى الخروج من سلطة الإرهاب والتكفير المفروضة على السوريات والسوريين جميعاً. لذلك يدعو جميع القوى السياسية والاجتماعية، إلى توحيد الموقف تضامناً مع السويداء، بوصفها مثالاً في الصمود بوجه التكفير والهمجية.

كما يؤكد أن ما يجري في السويداء ليس حدثاً محلياً معزولاً، وليس صراعاً أهلياً بين البدو والدروز، بل  نتيجة مباشرة لاستيلاء الميليشيات الجهادية على السلطة في دمشق، وخطتها المثبتة مسبقاً لاجتياح المحافظة وفرض سلطتها على أهلها بالقوة والعنف، وأتى صمود السويداء وأبنائها وبناتها ومطالبتها بالحرية وتقرير مصيرها رداً طبيعياً على محاولة الإبادة، والخذلان الوطني الذي تعرضت له.

ومن هذا المنطلق، يعلن حزب السلام وقوفه الحازم إلى جانب أهالي السويداء في نضالهم المشروع، ويدعو إلى تحرك وطني ودولي عاجل لوقف الانتهاكات، وضمان العدالة والمساءلة وجبر الضرر للمتضررين والضحايا وعائلاتهم، بما يفتح إمكانية نشوء وطنية سورية جديدة لشعوب سوريا، لا تتعارض مع حق تقرير المصير، وتقوم على أسس العلمانية والتعددية والمساواة والمواطنة وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان.

 

15 تشرين الثاني 2025

 

 

 

Share this post :

Facebook
LinkedIn
VK
Telegram
Threads
X